فصل: كِتَابُ الشُّفْعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الشُّفْعَةِ:

الشُّفْعَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّفْعِ، وَهُوَ الضَّمُّ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ.
قَالَ: (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ) أَفَادَ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبَ.
أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {: الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يُنْتَظَرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ: شُفْعَتُهُ» وَيُرْوَى «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»، وَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سَنَنِ الْقِيَاسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ.
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهَذَا، لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، إذْ هُوَ مَادَّةُ الْمُضَارِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَقَطْعُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِتَمَلُّكِ الْأَصْلِ أَوْلَى، لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى، وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ، وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ، وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالشَّرِكَةِ فِي الْمَبِيعِ أَقْوَى، لِأَنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ، وَبَعْدَهُ الِاتِّصَالُ فِي الْحُقُوقِ، لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ، وَالتَّرْجِيحُ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ إنْ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً صَلَحَ مُرَجِّحًا.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرِّقَّةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ.
قَالَ: (فَإِنْ سَلَّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْجَارِ الْمُلَاصِقُ وَهُوَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ مَعَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الرَّقَبَةِ لَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى، لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ: أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقَّ التَّقَدُّمِ فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ لِمَنْ يَلِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ جِدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فِي الْمَنْزِلِ وَكَذَا عَلَى الْجَارِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ اتِّصَالَهُ أَقْوَى وَالْبُقْعَةُ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ أَوْ الشُّرْبُ خَاصًّا حَتَّى تُسْتَحَقَّ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ.
فَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ، أَنْ لَا يَكُونَ نَافِذًا وَالشُّرْبُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الْخَاصَّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ، فَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَهِيَ مُسْتَطِيلَةٌ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا، وَإِنْ بِيعَتْ لِلْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: (وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِالْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ شَفِيعَ شَرِكَةٍ وَلَكِنَّهُ شَفِيعُ جِوَارٍ)، لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ إلَّا أَنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ، قَالَ: (وَالشَّرِيكُ فِي الْخَشَبَةِ تَكُونُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ جَارٌ) لِمَا بَيَّنَّا.
الشرح:
كِتَابُ الشُّفْعَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَقْسِمْ، إلَّا ابْنُ إدْرِيسَ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ. انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ، فَإِنْ أَبَى، فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يُنْتَظَرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا».
قُلْت: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، فَصَدْرُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَحْكَامِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الشُّرُوط، فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ، وَالْأَرْضِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْجَارِ الَّذِي يَكُونُ شَرِيكًا، دُونَ الْجَارِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرْنَا، وَأُسْنِدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، قَالَ: «كُنْت مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: اشْتَرِ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِكَ، فَقَالَ: لَا، إلَّا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةٍ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ مَا بِعْتُكَهَا، لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ»، انْتَهَى.
قُلْتُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضِي لَيْسَ فِيهَا لِأَحَدٍ شِرْكٌ، وَلَا قِسْمٌ، إلَّا الْجِوَارُ، فَقَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ مَا كَانَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمَعَ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، أَعْنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: وَهَمَ فِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ مَالَا بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى عِيسَى بْنِ يُونُسَ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَعْنِي عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ سَمُرَةَ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُعَضِّدُ ذَلِكَ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِقَةٌ، فَوَجَبَ تَصْحِيحُ ذَلِكَ عَنْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ أَنْبَأَ قَتَادَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غَيْرِهِ»، انْتَهَى.
وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ، الشَّافِعِيُّ: يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، تَفَرَّدَ بِهِ، وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ هَذَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا كَانَ طَرِيقُهَا وَاحِدًا، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَشْهُورُ لَمْ يُنْفَ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ، إلَّا بِشَرْطِ تَصَرُّفِ الطُّرُقِ، فَيَقُولُ: إذَا اشْتَرَطَ الْجَارَانِ فِي الْمَنَافِعِ، كَالْبِئْرِ، أَوْ السَّطْحِ، أَوْ الطَّرِيقِ، فَالْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ جَارِهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَلَا شُفْعَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَشْهُورِ، وَطَعْنُ شُعْبَةَ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَشُعْبَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحُذَّاقِ فِي الْفِقْهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، إذَا ظَهَرَ تَعَارُضُهَا، إنَّمَا كَانَ حَافِظًا، وَغَيْرُ شُعْبَةَ إنَّمَا طَعَنَ فِيهِ تَبَعًا لِشُعْبَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِعَبْدِ الْمَلِكِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا إنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ هَذَا لِتَفَرُّدِهِ بِهِ، وَإِنْكَارِ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ رَأْيًا لِعَطَاءٍ، أَدْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَقَدْ أَسَاءَ شُعْبَةُ، حَيْثُ حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، وَتَرَكَ التَّحْدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْعَرْزَمِيَّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْأَثَرِ فِي سُقُوطِ رِوَايَتِهِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ مُسْتَفِيضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ: شُفْعَتُهُ وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا»، الْحَدِيثَ، وَبِالرِّوَايَتَيْنِ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا الْمُحَارِبِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ»، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ: مَا السَّقَبُ؟ قَالَ: الْجِوَارُ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ قَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ يَعْنِي شُفْعَتَهُ، انْتَهَى.
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الصَّقَبُ بِالصَّادِ، مَا قَرُبَ مِنْ الدَّارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: سَقَبٌ، فَيَكُونُ السِّينُ عِوَضَ الصَّادِ، لِأَنَّ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ قَافًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ خَاءٌ، أَوْ غَيْنٌ، أَوْ طَاءٌ، فَيَقُولُ: صَخْرٌ وَسَخْرٌ، وَصَدْغٌ وَسَدْغٌ، وَسَطْرٌ وَصَطْرٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ الْأَرْبَعَةُ السِّينَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَلَا يُقَالُ: خَصْرٌ وَخَسْرٌ، وَلَا قَصْبٌ وَلَا قَسْبٌ، وَلَا غَرْسٌ وَلَا غَرْصٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَضُرِبَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «إنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا، فَفِي نَفْيِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْأَمْرَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا قَبْلَ صَرْفِ الطُّرُقِ، وَإِنْ حُدَّتْ الْحُدُودُ فَقَدْ وَافَقَ مَا رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْأَثْبَاتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَوَوْهُ مُرْسَلًا، ثُمَّ رَفَعُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، هُوَ رَأْيٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّفِيعُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ الْجُنُبِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهِشَامٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ مِمَّنْ سِوَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: الشَّرِيكُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكٌ، فَالْجَارُ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ مِمَّنْ سِوَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْأَمْلَاكِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هِيَ عَلَى مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ، أَلَا يُرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ الرِّبْحَ وَالْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ، وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ فَيَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْغَلَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابَلَتِهِ، وَتَمَلُّكُ مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْعَلُ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ، فَهِيَ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِأَنَّ الِانْتِقَاصَ لِلْمُزَاحَمَةِ مَعَ كَمَالِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غُيَّبًا يُقْضَى بِهَا بَيْنَ الْحُضُورِ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِأَنَّ الْغَائِبَ لَعَلَّهُ لَا يَطْلُبُ، وَإِنْ قُضِيَ لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ، ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَلَوْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ الْحَاضِرُ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ لَا يَأْخُذُ الْقَادِمُ إلَّا النِّصْفَ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْكُلِّ لِلْحَاضِرِ يَقْطَعُ حَقَّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ.
قَالَ: (وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ، لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْوَجْهُ فِيهِ: أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ وَالْبَيْعُ يُعَرِّفُهَا، وَلِهَذَا يَكْتَفِي بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ، حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ.
قَالَ: (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ)، لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتَهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ.
قَالَ: (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ)، لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحِقَّ بِهَا الشُّفْعَةَ أَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ، أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ لَا تُورَثُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الثَّالِثَةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لَهُ، ثُمَّ قَوْلُهُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.